مما لا شك فيه أن الموارد البشرية تلعب دوراً حاسماً ومؤثراً في عملية بناء المجتمعات وتنميتها.
وقد أدركت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أهمية العنصر البشري، وأيقنت أن نجاحها في تحقيق رؤيتها بإنشاء مجتمع معلوماتي يتوقف في المقام الأول على توسيع نطاق الاستثمار في رأس المال البشري والتركيز بصفة خاصة على شريحة الأطفال والشباب التي تحتل قاعدة الهرم السكاني في مصر بنسبة 50% من إجمالي عدد السكان.
ومع بزوغ فجر الألفية الجديدة قامت الوزارة بإطلاق عدد من المبادرات تهدف إلى تشجيع أبناء الشعب المصري، لا سيما قاطني المناطق النائية والمحرومة، على اللحاق بركب التقدم ومشاركة نظرائهم في جميع أنحاء العالم في الارتقاء بمستوى المعيشة من خلال استخدام التقنيات والوسائل المتقدمة التي توفرها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وتأتي "مبادرة نوادي تكنولوجيا المعلومات" على رأس مشروعات الوزارة التي شهدت على مدار الخمس سنوات الماضية نموًا ضخمًا وانتشارًا واسعًا في أرجاء أرض الكنانة.
فقد فتحت هذه النوادي الباب على مصراعيه أمام الآلاف من أبناء الوطن لاستكشاف آفاقًا جديدة والمضي قدمًا نحو تحقيق ما يصبون إليه بأقل التكاليف، وذلك اعتماداً على ما توفره من البرامج التدريبية على اختلاف مستوياتها بدءًا من المستويات الأساسية إلى المتقدمة والتي وضعت خصيصاً لتلبية احتياجاتهم في قاعات مجهزة بأحدث الوسائل التكنولوجية. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف النبيل لم تأل منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية جهداً في مد يد العون للوزارة ليخرج مشروع نوادي تكنولوجيا المعلومات إلى النور ويسهم في الارتقاء بالمجتمع وأبنائه.
ورغم النجاحات الكبيرة التي حققتها الوزارة، إلا أن طموحاتها لا تحدها حدود، ففي إطار المجهودات العظيمة التي تبذلها لتعزيز سياسة الاحتواء وبناء القدرة البشرية، أولت الوزارة مزيدًا من الاهتمام والعناية بذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمثلون إحدى شرائح المجتمع الهامة التي طالما عانت من التجاهل والعزلة
وفي هذا الصدد تشير الإحصائيات إلى أن مصر بها ما يقرب من 2 مليون معاقاً، أي ما يعادل 3.5% من إجمالي عدد السكان، حيث تتنوع الإعاقة من بصرية وسمعية وحركية إلى أشكال الإعاقة العقلية.
وانطلاقاً من إيمانها العميق بأهمية إتاحة الفرصة أمام الجميع للوصول إلى التقنيات الحديثة، قامت الوزارة منذ عام 2004 بتوجيه المزيد من الاهتمام إلى هذه الشريحة من خلال إنشاء نوادي تكنولوجيا المعلومات وتجهيزها بوسائل تلائم احتياجاتهم.
وقد تمخضت الجهود الحثيثة التي تبذلها الوزارة عن بزوغ العديد من النماذج الناجحة من هذا القطاع استطاعت الاستفادة من الفرص الكبيرة المتاحة أمامهم في التغلب على إعاقتهم ليصيبوا نجاحات عدة على المستويين الشخصي والمهني، والمشاركة بفاعلية في دفع عجلة تنمية مجتمعهم إلى الأمام.
وليس أدل على عناية الوزارة واهتمامها بأفراد هذه الشريحة من فاقدي البصر، فمنذ عشر سنوات كان تعلم الحاسب يمثل تحديًا كبيراً أمام المبصرين، فكيف الحال بمن فقد بصره كلية؟ غير أن ما يتمتع به هؤلاء الأفراد من إرادة فولاذية وعزم لا يلين كان وراء خوضهم لهذا التحدي والدفاع عن كيانهم وتبوأ مكانتهم في المجتمع والمشاركة بفاعلية في تنميته وتقدمه باعتبارهم جزء لا يتجزأ منه. فالآن أصبح بمقدور من حُرم نعمة الإبصار تعلم ما يمكن لأي شخص مبصر أن يتعلمه، فلقد تقلد العديد منهم حاليًا أرفع المناصب، فمنهم يخرج رؤساء المنظمات والجمعيات مختلفة الأنشطة والأهداف. ومن المسلم به أن الإصابة بالإعاقة لا يقف حائلاً دون إلمام المعاق بالوسائل التكنولوجية الحديثة، ولا تجعله يتخلف عن غيره من الأسوياء في تطويع المخترعات التكنولوجية لرفع مستوى معيشته.
ومن جانبها تقدم المنظمات غير الحكومية لمن حُرموا نعمة البصر فرصة العمر لتعويض ما فاتهم منذ زمن طويل في فترة قصيرة، فقد وفرت لهم دورات تدريبية في حجرات دراسية تتسع لعشرة أفراد ومدرس من شركة IBM يشرح طريقة استخدام تطبيقات نظام ويندوز مثل ورد وإكسيل وأكسس إلى الجانب الدخول على شبكة الإنترنت. وتعتمد طريقة شرح دروس الحاسب للمعاقين بصرياً على برنامجين تم تصميمهما خصيصاً لهذا الغرض، هما:
1- "Ibsar" ("إبصار"): يمثل أحد الحلول الشاملة للصعوبات التي تواجه متحدي الإعاقة البصرية، فهو يشتمل على قارئة شاشة قوية تقوم بتحويل محتويات الشاشة إلى صوت شبة الصوت البشري إلى حد بعيد، الأمر الذي يُمكن متحدي الإعاقة البصرية من التفاعل مع جميع تطبيقات الحاسب باللغتين العربية والإنجليزية.
2- "JAWS" ("الوصول إلى المهمة بالكلام المنطوق"): عبارة عن برنامج قارئة شاشة يهدف في المقام الأول إلى تيسير إمكانية وصول المستخدمين من متحدي الإعاقة البصرية إلى نظام مايكروسوفت ويندوز من مايكروسوفت، حيث يتأتى ذلك بتمكين المستخدم من الوصول إلى المعلومات المعروضة على الشاشة إما من خلال تحويل النص المعروض إلى كلام منطوق (وهو ما يعرف بالترجمة) أو من خلال العرض بطريقة برايل. وقد تضافرت جهود وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع جهود المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لنشر استخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات بين قطاعات المجتمع التي تعاني من الإعاقة، فكان ثمرة هذه الجهود الحثيثة إنشاء 20 ناديًا لتكنولوجيا المعلومات تم تصميمها خصيصًا لتلائم هذه الفئة وتلبي رغباتها. وبالرغم من أن عدد هذه النوادي لا يزال قليلاً، إلا أنه من المتوقع أن يتضاعف خلال السنوات القليلة القادمة. وجدير بنا ذكر الدور الذي لعبته كل من شركتي مايكروسوفت وIBM في المساهمة في هذا المشروع من خلال ما تقوما به من تدريب المعاقين بصريًا ليصبحوا فيما بعد مدربين أكفاء.
ومن جانبهم أبدى المتدربون حتى الآن رغبة شديدة في التعلم كما أظهروا استجابة سريعة لنفس الموضوعات التي يتعلمها المبصرون. تجدر الإشارة إلى أن مدة الدورة التدريبية تستمر لأربعة أشهر ويحضرها متدربون تتراوح أعمارهم من 19 إلى30 وتتفاوت إعاقتهم البصرية بين متوسطة وشديدة.
وكما يرى أحد المتدربين من ذوي الإعاقة البصرية، فإن "تعلم مهارات الكومبيوتر والاستفادة من الإمكانيات التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات لا يقتصر على المبصرون فحسب، بل يشمل المعاقين أيضاً؛ فكل ما يحتجونه التشجيع وإعطاء الفرصة."
وتأمل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات أن تغطي خدماتها في المستقبل كافة مناطق الجمهورية بما يمكن معه إتاحة الوسائل التكنولوجيا لجميع متحدي الإعاقة بمختلف أنواعها، إذ لا يمكن إنشاء مجتمع المعلومات المصري الذي نصبو إليه جميعًا إلا بمشاركة جميع أبناء الوطن، لا فرق في ذلك بين معاق وسوي.