المصدر: جريدة وول ستريت جورنل
بقلم: ميريام فام
القاهرة-مصر
تشهد الهند ارتفاعاً في معدلات الأجور يقابله انخفاض في المعدلات المسجلة لدى جوانب أخرى في الصناعة، الأمر الذي دفع بعض الشركات العالمية إلى البحث عن أماكن أخرى لتنقل إليها أعمالها العابرة للحدود حيث اتجهت إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية متخذةً منها مراكز جديدة لتعهيد الأعمال.
والآن، تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هذا السباق لتحظى باستضافة المراكز الخارجية للخدمات والمبيعات والعمالة والدعم التقني وما إلى ذلك، يعززها في هذا التوجه ما تحظى به من موقع جغرافي يميزها كمنطقة زمنية واحتضانها لعمالة تجيد عدداً من اللغات الأجنبية، فضلاً عن التوسع الاستثماري الهائل المدفوع بعوائد النفط في هذه المنطقة. علاوة على ذلك، ثمة عوامل تجتذب الشركات للمنطقة ممثلةً في جهود الحكومات الرامية إلى تحرير الاقتصاد تنويع مصادره إلى جانب التطلع نحو الاستفادة من تنامي الأسواق المحلية.
وفي هذا الإطار، تواجه الأعمال العابرة للحدود بعض التحديات في منطقة الشرق الأوسط أبرزها عدم الاستقرار السياسي والبيروقراطية المتأصلة فيها. غير أن المنطقة تملك من الإمكانيات ما يجعلها منطقة واعدة بحق، وليس أدل على ذلك من اتجاه عدد من كبريات الشركات العاملة في هذا المجال بالهند – التي تعد محط أنظار أرباب الصناعة بلا منازع – إلى مراكز خارجية في المنطقة.
من جانب آخر، تعمل شركة "ساتيام المحدودة لخدمات الكمبيوتر" حاليًا على توظيف 300 فرد في المركز الذي أنشأته مؤخراً في القاهرة لتقديم الخدمات للعملاء في المملكة العربية السعودية والعالم العربي. وفي وقت سابق من هذا العام، أنشأت شركة "ويبرو" المحدودة كذلك مشروعاً مشتركاً للأعمال العابرة للحدود في المملكة العربية السعودية وأعلنت مؤخراً اعتزامها دخول سوق العمل في مصر، كما أعلنت شركة "تاتا للخدمات الاستشارية" أنها ستشرع لاحقاً في تقديم خدماتها من المغرب إلى عملائها الناطقين بالفرنسية في أوروبا.
وطبقا لما أورده الاتحاد الوطني لشركات البرمجيات والخدمات في الهند، فقد حققت الشركات الهندية عوائد تقدر بحوالي مليار دولار من الأعمال العابرة للحدود في المنطقة خلال العام المالي المنتهي في مارس/آذار 2007، متجاوزةً بذلك عوائد العام المنصرم التي قُدرت بنحو 600 مليون دولار.
وفي معرض حديثه عن الأمر، صرح السيد فيريندر أجروال – مدير شركة ساتيام والنائب الأول لرئيس الشركة لمناطق آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط والهند وأفريقيا – قائلاً "أن التدفق النقدي بالمنطقة يسجل معدلات كبيرة، ولا يعقل ألا نستغل هذا الأمر على الوجه الأمثل".
تحظى منطقة الشرق الأوسط بعامل الجذب الأول فيما يتعلق بالأعمال العابرة للحدود مضاهيةً بذلك أهم المراكز الأخرى الناشطة في هذا الصدد: ألا وهو العمالة الرخيصة الماهرة، غير أن الشركات تجد في المنطقة مميزات أخرى كالمنطقة الزمنية التي تتناسب تقريبا مع أكبر المناطق الاقتصادية العالمية وهي أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا، أضف إلى ذلك قرب المنطقة جغرافياً من أوروبا والعمالة التي تجيد اللغات الأجنبية. وبانتعاش النشاط التجاري في معظم أنحاء الشرق الأوسط، تزداد الحاجة إلى عمالة تتحدث العربية أيضاً.
هذا، وقد شهدت السنوات الأخيرة تصنيف مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة ضمن قائمة أفضل 20 دولة جاذبة للأعمال العابرة للحدود، وطبقاً للتصنيف الذي نشرته شركة "إيه تي كيرني للاستشارات"، فقد انضمت كل من تونس والمغرب وإسرائيل وتركيا إلى قائمة أفضل 50 دولة هذا العام.
وفي هذا الصدد، صرح السيد سايمون بيل - أحد مسؤولي شركة "إيه تي كيرني للاستشارات" قائلاً "أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط هي الوجهة الرئيسية القادمة في هذا المجال". وكان السيد سايمون بيل قد عمل مع الحكومة المصرية في وقت سابق للتخطيط لاجتذاب المزيد من الأعمال الخارجية.
وبرغم اهتمامها المتزايد بهذا المجال، فلا يزال الدور الذي تلعبه دول المنطقة في هذا المضمار دوراً محدوداً نظراً لاستحواذ الهند والصين على جانب كبير منه وتأخر دول المنطقة عن اللحاق بدول أخرى لها حضورها القوي في هذا الصدد كماليزيا والبرازيل والفليبين. علاوة على ذلك، ثمة معوقات كؤود تعترض نمو هذه الصناعة بدول المنطقة على رأسها التصور القائل بعدم ملاءمة المنطقة لهذا النوع من الأعمال على خلفية انعدام الاستقرار السياسي أو الصراعات الدائرة في العراق ولبنان وإسرائيل. وبرغم التغييرات الهيكلية التي قضت على البيروقراطية في دولة كالمغرب، فإن الجهود المبذولة في غيرها من الدول في هذا الصدد لا تزال بعيدة عن اللحاق بركب الجهود المماثلة في بقية أنحاء العالم.
ولا يزال عدد العمالة المؤهلة في العديد من دول المنطقة ضئيلاً نسبياً. وعلى ذكر العمالة، تجدر الإشارة إلى أن مصر - أكبر الدول العربية من حيث السكان - تدفع ما يقرب من 250.000 خريج جامعي سنوياً إلى سوق العمل، لكن الكثير منهم بحاجة إلى تدريبات إضافية لرفع مستوى إجادة اللغات الأجنبية وإتقان المهارات الأخرى حتى تنظر الشركات متعددة الجنسيات إلى توظيفهم بعين الاعتبار. وفي خضم التوسعات التي يشهدها سوق العمل، بدأ العاملون المحليون بمجال تكنولوجيا المعلومات في تلقي عدد أكبر من عروض العمل لدى الشركات الإقليمية مما قد يفرض ضغوطاً متزايدة على معدلات تخفيض العمالة والأجور.
وفي ذلك يقول السيد أجروال – مدير شركة ساتيام - أن معدلات الأجور في مصر، لاسيما بين العاملين ذوي الخبرة، قد تكون أعلى قليلاً من الهند. ولكن بتوسع العمل التجاري في منطقة الشرق الأوسط، يصبح توظيف العمالة المصرية عاملاً مؤثراً يوازن التكلفة والمردود المطلوب، فلطالما كانت القاهرة عاصمة الثقافة بالمنطقة، كما أن انتشار الأفلام والمسرحيات والمسلسلات المصرية قد أدى بدوره إلى ذيوع اللهجة المصرية في أرجاء العالم العربي.
تمثل اللغة أيضاً ميزة كبيرة في المناطق الناطقة باللغة الفرنسية من الشمال الأفريقي، ففي تونس أقدمت شركة "تليبرفورمانس إس إيه" للاتصالات التي تتخذ من باريس مقراً لها على توظيف أكثر من 3.500 عامل لتلبية احتياجات أسواق الدول الفرانكوفونية. وتعتزم الشركة استئجار مركز اتصال في القاهرة لتقديم الخدمة للشركات الأمريكية والأوروبية متعددة الجنسيات.
تمثل الوظائف الجديدة التي توفرها الأعمال العابرة للحدود وسيلة جيدة لمواجهة معدلات البطالة المرتفعة ومعدلات المواليد المتزايدة في المنطقة. وقد بدأت بعض الدول في توفير العمالة لتلك الصناعة بالفعل، ومن ذلك أن الحكومة المصرية تعرض التكفل بمقدار 80 بالمائة من تكاليف تدريب العاملين الجدد فضلاً عن تخفيض رسوم الاتصالات وروابط البيانات بكبرى المدن الأمريكية والأوروبية.
من جانبها، تروج إمارة دبي بدولة الإمارات لمشروع تحت اسم "منطقة الأعمال العابرة للحدود" ضمن مناطق أخرى عديدة لجذب صناعات بعينها إلى البلاد. ورغم ارتفاع معدلات الأجور في الإمارات ارتفاعاً نسبياً، إلا إن المسؤولين يركزون على البنية التحتية ذات التكنولوجيا المتقدمة وإمكانية توفير العمالة الماهرة التي تتضمن المغتربين من جنوب شرق آسيا والناطقين بالعربية.
وليس بعيداً عن دبي، وفي إمارة أبو ظبي على وجه التحديد، تأسست شركة للأعمال المشتركة العابرة للحدود بالتعاون بين الإمارة وشركة "إلكترونيك داتا سيستمز" التي تتخذ من مدينة بالنو بولاية تكساس مقراً لها، حيث أسفرت هذه الشراكة عن ضخ 100 مليون دولار في مركز جديد يستهدف العملاء بمنطقة الشرق الأوسط. وقد بدأت الشركة بالفعل في توظيف العاملين في المغرب لخدمة العملاء في أوروبا فضلاً عن موظفيها في مصر البالغ عددهم 450 موظفاً.
وفي معرض تعليقه على الأمر، صرح السيد تشارلز كوكس - النائب الإقليمي لرئيس الشركة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا – قائلاً "إننا على دراية بأهمية هذه المنطقة في حد ذاتها بوصفها سوقاً واعدة وباعتبارها مركزاً تنطلق منه الخدمات التي تستهدف مجالات أخرى للأعمال".