أضحى "الإبداع وريادة الأعمال" محركًا رئيسيًا لتنمية اقتصادية متطورة ومستدامة بما له من إمكانيات هائلة لخلق فرص عمل. ولذلك فإن تطوير ثقافة ومهارات التفكير الخاصة بالابتكار وريادة الأعمال داخل المجتمعات التي نعيش ونعمل فيها أصبحت محط تركيز الحكومات والمجتمعات في العالم أجمع. ويعد ترويج الإبداع وريادة الأعمال في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر واحداً من الاختصاصات الرئيسية لمركز الإبداع التكنولوجي.
تشهد مصر نمواً غير مسبوق في مجال ريادة الأعمال والابتكار مع ازدهار مناخ أعمال الشركات الناشئة، وفي ظل استراتيجية طموحة تتبناها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لنشر مراكز إبداع مصر الرقمية بالمحافظات لتوفير التدريب التقني للشباب في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتنفيذ برامج لرعاية الإبداع التكنولوجي لتشجيع طلاب الجامعات ورواد الأعمال في المحافظات على تأسيس مشروعاتهم الريادية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
أطلقت الحكومة المصرية ممثلة في وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات "مراكز إبداع مصر الرقمية- "Creativa Innovation Hubs والتي تهدف إلى دعم الطلاب ورواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة ومساعدتهم للمساهمة بفعالية في تحقيق التحول الرقمي في مختلف قطاعات الدولة.
وقامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات من خلال الجهات التابعة لها (هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات) بإنشاء ستة مجمعات للإبداع التكنولوجي في جامعات إقليمية تحت اسم "مراكز إبداع مصر الرقمية". ويتم تنفيذ خطة لإنشاء 15 مركزًا من مراكز إبداع مصر الرقمية في مختلف المحافظات، وذلك على ثلاث مراحل. تضم المرحلة الأولى للمشروع التشغيل التجريبي لخمسة مراكز داخل جامعات المنصورة والمنوفية والمنيا وسوهاج وجنوب الوادي. وتتضمن المرحلة الثانية إنشاء مراكز في الإسماعيلية وأسوان والقاهرة والجيزة والعاصمة الإدارية الجديدة. ويجرى تخطيط المرحلة الثالثة من المشروع لإطلاق المراكز في محافظات إضافية، وذلك بالتعاون مع جامعات بنها والفيوم والزقازيق.
إن الهدف من إنشاء مراكز الإبداع الرقمي داخل الجامعات هو التيسير على الشباب في الوصول إلى تلك المراكز مع توفير الخبرات العملية لهم في مجالات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتنمية مهارات طلاب الجامعة وتأهيلهم بما يتواكب مع متطلبات سوق العمل في تكنولوجيا المعلومات وريادة الأعمال، وإعداد كوادر رقمية قادرة على دعم وتطوير صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمساهمة بشكل مباشر في نشر الوعي بأحدث تطورات تكنولوجيا المعلومات وتخصصاتها. وتمتلك مراكز الإبداع الرقمية داخل الجامعات إمكانات كبيرة تدعم وتساعد الطلاب والشركات الصغيرة والمتوسطة والأعمال الناشئة.
تُعد مراكز الإبداع الرقمية المكان الملائم للطلاب الذين يريدون اختبار فكرة ما وتعلم المهارات اللازمة لذلك، كما تُعد مكانًا ملائمًا لأعضاء هيئة التدريس من أصحاب الأبحاث الرائدة التي يمكن تسويقها وأصحاب الشركات الناشئة الذين يحتاجون لاستشارات ونصائح الخبراء، كما تُعد أماكن مثالية للتفاعل مع الموجهين والاجتماع بفرق العمل والزملاء وعقد ورش العمل مما يعكس الدور المهم الذي تقوم به الدولة والجامعات في تشجيع ريادة الأعمال والابتكار داخل المجتمع.
تضم هذه المراكز فروعًا لمعاهد التدريب التابعة للوزارة في جامعات إقليمية ومعامل تكنولوجية متخصصة في البرمجيات والأنظمة المدمجة وتصميم الإلكترونيات وحاضنات تكنولوجية للأعمال ومساحات عمل مشتركة للشركات الناشئة بالإضافة إلى قاعات للتدريب المتخصص في مجالات متعددة، منها الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات وأمن المعلومات.
تعمل مراكز إبداع مصر الرقمية كوسيط محفز للأعمال بين الحكومة والقطاع الخاص والجامعات ولإدارة المكونات المختلفة لبيئة عمل الإبداع ولتحديد وإدارة وتنسيق البرامج والمبادرات المختلفة المستمدة من استراتيجية الإبداع وريادة الأعمال بالاشتراك والتعاون مع الأطراف المعنية وبالتركيز على عنصر الربح عبر تسويق الابتكارات وتراخيص الملكية الفكرية، وبالعمل على حل المشاكل التي تواجه الدولة في الوقت الراهن، وبالترويج لمصر بوصفها منافسًا عالميًا في مجال الإبداع ذو القيمة المضافة.
وتتويجًا لهذا الجهد في دعم أعمال الابتكار والريادة والشركات الناشئة تحتل مصر المرتبة الأولى إقليمًا وقاريًا في مؤشر "كيرني" لمواقع خدمات التعهيد العالمية، والمركز الأول في الشرق الأوسط وأفريقيا من حيث عدد الصفقات الاستثمارية للشركات الناشئة. وتتربع مصر على القمة إقليميًا من حيث توافر العمالة الماهرة وقابلية الدولة للتحول الرقمي، وتتلقى 100 دولة خدمات من مصر من خلال 20 لغة، إذ تستحوذ مصر على 17% من صناعة خدمات التعهيد.
وفى إطار اهتمام الدولة بتحويل المباني ذات القيمة الثقافية المملوكة لبعض أجهزة الدولة إلى مراكز لتنمية الإبداع وريادة الأعمال لدى الشباب، وفي ضوء خطة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لنشر مراكز إبداع مصر الرقمية في كافة أنحاء الجمهورية لإتاحة البيئة المحفزة للابتكار التكنولوجي وريادة الاعمال، تعمل وزارة الاتصالات بالتعاون مع جهات عدة معنية بتحويل المباني ذات القيمة الثقافية والتاريخية المملوكة للدولة إلى مراكز لتنمية الإبداع وريادة الأعمال من خلال تأهيلها وترميمها والاستفادة منها مرة أخرى.
فى هذا الصدد يجري العمل على تجهيز قصر السلطان حسين كامل التاريخي والأثري بمصر الجديدة ليكون مركزًا للإبداع حيث من المقرر أن يضم معامل لشركات عالمية وتكنولوجية متطورة وحاضنات تكنولوجية للشركات الناشئة وقاعات تدريب واجتماعات إلى جانب مساحات العمل المشترك بالإضافة إلى تجهيز قصر السلطانة ملك ومبنى تابع لجامعة القاهرة في منطقة بين السرايات وتحويلهما إلى مركزين لتنمية الإبداع وريادة الأعمال.
وحرصًا من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على توفير البيئة المحفزة للابتكار التكنولوجي تقوم الوزارة بتوفير منصة إبداع مصر، وهي منصة إلكترونية للابتكار توفر مصدرًا للإلهام والتعليم والتواصل للمبتكرين ورواد الأعمال وتضم محتوى تعليميًا ملهمًا وأدوات عملية ومساحات للابتكار حول العالم. تهدف المنصة إلى إلقاء الضوء على المبتكرين المصريين محليًا وعالميًا وخلق نقاط التقاء فيما بينهم وبناء مجتمعات تعاونية بين ممثلي بيئة الابتكار وريادة الأعمال المصرية وتعليم المبتكرين والشركات الناشئة مهارات التكنولوجيا وإدارة الابتكار.
تُسطر "مراكز إبداع مصر الرقمية" قصص نجاح لنماذج عدة بالمحافظات ساهمت في تطوير مهاراتهم واكتساب خبرات كبيرة في العمل الحُر عبر الإنترنت في مجالات تكنولوجية، كما أهلت العديد منهم للحصول على تقييمات عالية في منصات العمل الحُر العالمية، والتي بموجبها حظوا بفرص عمل غير تقليدية وهم في أماكنهم بصفتهم مهنيين مستقلين في الأسواق الإقليمية والعالمية وبعائد مادي مجزي لا يقل في المتوسط عن 500 دولار في الشهر خلال الأشهر الأولى من العمل، منها على سبيل المثال شركات في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيجيريا والهند وأوكرانيا والسعودية.
وقد تم عقد شراكات مع عدد من الجهات العالمية في مجالات التدريب والإدارة التقنية والدعم الفني وإتاحة التكنولوجيا وركائز بناء المنظومات، من بينها شراكات مع جامعة "بابسون"، الجامعة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال ريادة الأعمال والابتكار، وشركة "بلج أند بلاي" بالإضافة إلى شركات أخرى منها "مايكروسوفت" و "هواوي" و"إريكسون".
إن تطوير رأس المال البشري يأتي على رأس أولويات خطط عمل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي تسعى جاهدة نحو ترسيخ ثقافة الابتكار ودعم أنشطة ريادة الأعمال من خلال تهيئة المناخ الملائم وتوفير الخدمات والبنية التكنولوجية الداعمة للإبداع التكنولوجي لدى الشباب في مراكز تجمع بين الأصالة والمعاصرة من أجل إنتاج حلول تكنولوجية مبتكرة تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والعمل على تأسيس اقتصاد قومي قائم على الإبداع. ويُنفذ ذلك عبر وضع الاستراتيجيات اللازمة وتقديم التسهيلات والترويج للإبداع وريادة الأعمال وإرساء مفهوم الملكية الفكرية في صناعة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتهما.